بسم الله الرحمن الرحيم.
{وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}سورة البقرة 282.
أغلى قصة في التاريخ الإسلامي.
الله وحده يعلم كم من الدماء والآلام بُذلت، وكم من الشهداء رُفعت، وكم من العظام سُحقت، وكم من الأمهات ثُكلت، وكم من الأطفال شردت، وكم من التضحيات قُدِّمت لأجيال من المسلمين عبر أكثر من ألف وأربعمائة عام حتى استطاعوا أن يوصلوا لنا الدين مُحددا في القرآن الكريم، والفقه مجموعاً ومبوباً في المذاهب الأربعة، والحديث مجموعاً ومُصنفاً في كتب الحديث.
لذلك التفريط بثوابت السلف الصالح وأهل السنة والجماعة هو الخيانة العُظمى لدماء وشُهداء وآلام وتضحيات أجيال المسلمين عبر أكثر من ألف وأربعمائة عام.
وهذا هو حلم إبليس – لعنه الله – أن يتم تدمير هذه الثوابت للإسلامية، ويشاركه هذا الحلم اليهود والنصارى.
وأقوى آلية يستخدمها هذا الثالوث ( إبليس واليهود والنصارى) هم فقهاء المُرجفون.
والمُرجفون هم قوم ممّوهون بالثوب الإسلامي، يدّعون أنهم أتباع السلف وأهل السنة والجماعة، على الرغم من أنهم هم الذين نكثوا إجماع المسلمين عبر أكثر من ألف وأربعمائة عام بأن فقه أهل السنة والجماعة هو ما استقر عليه فقهاء المذاهب الأربعة، وأن الحديث قد تمّ جمعه في كتب الحديث، وأنه لا خلاف على العقائد ولا الحلال والحرام ولا صفات الله تعالى، وأنه لا يجوز بِناء هذه الثوابت إلا من الحديث الصحيح، وأنه يجوز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال.
وتمادى المُرجفون وقلبوا مفاهيم الفقه فاعتبروا أن الأصل في التشريع هو التحريم، وحصروا الدين في مفهوم ( .. كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .. ) وأسقطوا باقي أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - التي حددت وشرحت هذا الحديث العام، مثل قوله - صلى الله عليه وسلم: ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة). رواه مسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد ) وفي رواية لمسلم: ( من صنع أمراً على غير أمرنا فهو رد) هذا التحديد والشرح الكافي من الرسول صلى الله عليه وسلم لمن أراد له الله الهداية، بأن البدعة والإحداث المذموم هو الذي ليس له أصل في الدين، وهذا ما ذهب إليه جمهور فقهاء وعلماء المذاهب الأربعة ومنهم الإمام الشافعي رحمه الله الذي قال: ( البدعة بدعتان: محمودة ومذمومة فما وافق السنة فهو محمود وما خالفها فهو مذموم).
وعلماء وأئمة المذاهب الأربعة إذا أجمعوا على رأي حازوا العصمة على رأيهم، وأضحى رأيهم من الشريعة والذي لا يجوز المساس به حائزاً حجية الأمر المقضي به، مصداقاً لقول الرسول – صلى الله عليه وسلم: ( لا تجتمع أمتي على ضلالة ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يجمع الله أمتي على ضلالة ويد الله مع الجماعة ) وقوله – صلى الله عليه وسلم: ( سألت ربي أن لا تجتمع أمتي على ضلالة فأعطانيها)، وروى الحاكم عن ابن عباس مرفوعاً: ( لا يجمع الله أمتي على الضلالة أبداً).
وبالتالي فإن أي مذهب فقهي يتضارب مع أي إجماع للمذاهب الأربعة هو ليس من الإسلام في شيء.
فجمهور الفقهاء وعلماء أهل السنة والجماعة هم علماء وأئمة المذاهب الأربعة، وليس كما يدعي فقهاء المُرجفون الذين أسسوا دينهم على مخالفة إجماع المسلمين عبر أكثر من ألف وأربعمائة عام، الذين بنوا دينهم على إغراق الأمة في إعادة اختراع الفقه! وفي إعادة تخريج الحديث! كالذي يُعيد اختراع الماء الساخن!!!
وخدمةًً للثالوث ( إبليس واليهود والنصارى) هاجم المرجفون كل مُجاهد أو ذاكر لله تعالى، فما تركوا مُجاهد لليهود أو النصارى إلا وتعدوا عليه، وشاعوا الفساد في الأرض، وأقاموا الحروب على قراءة القرآن الجماعية، وصلاة التراويح، والتهليل الجماعي يوم العيد، والقنوت في صلاة الفجر، وكل شيء وحتى مسابح المُسبِحين.
وتأملوا كل فتوى وكل عمل منهم تجدوه يصب في كفة ميزان ثالوث (إبليس واليهود والنصارى).
المسلمون تُهدر دماؤهم وأعراضهم، والموبيقات والكبائر تفترس دينهم وتنتشر بهم كالنار بالهشيم.
والمُرجفون جُلُّ همهم بث الوساوس في الدين بمفاهيم الشيطانية التالية:
• تدريس أسماء الله وصفاته على غير منهج الكتاب والسنة ملبسين على الناس دينهم ومشككين بأسماء الله تعالى بغية حرم الناس من دعاء الله تعالى، فربنا الله عز وجل عرّفنا إلى نفسه عبر شرح العبر والقصص والأحكام في القرآن الكريم، وربط هذا الشرح بصفاته وأسمائه، لذلك تنتهي مُعظم القصص أو الأحكام أو العبر في القرآن الكريم بربطها بأسماء وصفات الله تعالى، وأقر علماء المسلمين بأن دعاء الله تعالى بأسمائه أو صفاته هو خير وكل الخير، وبالتالي دعاء الله تعالى بالستّار أو الستير هو صحيح وخير عظيم، وكذلك دعاء الله تعالى بالعظيم أو المُعظَم ( بفتح ظ ) أو المُعظِم ( بكسر ظ) فإن الله عظيم مُعظَم ومُعظِم يُعظِم من يشاء ويمحق من يشاء، وكذلك دعاء الله تعالى بالمُسخر أو الضّار أو المُزلزل أو الحنّان أو المنّان، كل هذه صفات أو أسماء لله تعالى ثبتت بالقرآن الكريم أو بالسنة والدعاء بها فيه كل الخير، وحقيقة الأمر أنه لا يعلم الله تعالى إلا الله وحده لا شريك له، ولا يعلم أسمائه إلا هو وحده لا شريك له، وبهذا يحق لكل مؤمن التمتع بدعاء الله تعالى بأي وصف لفعل أو اسم وصف الله تعالى به ذاته أو صف به فعله، مثل العاطي والمُعطي والمُنعم والحنّان والحنون والكريم وأكرم الأكرمين وذو الكرم، ومن صفاته التي وصف بها أفعاله: المًرعب والمُدمر والمُزلزل والماحق والقاصف.
وبمفهوم المخالفة فإن نفي هذه الصفات التي وصف الله ذاته أو أفعاله بها هو كفر بيّن بواح، كمثل الذي يقول أن الله ليس ستّار أو ليس مُدمر أو مُزلزل، ومن غير الله يستر أو يدمر أو يزلزل؟
ولكن فقهاء المرجفين أبوا هذا المنهج، وأصروا على البدعة السيئة وقسموا الأسماء والصفات إلى أقسام لم يقسمها الرسول صلوات الله عليه، ولم يتركوا مقام للخشوع يُدعى الله به بأحد صفاته إلا انفجروا يسألون هل هذا أسم أم صفة، وهل هي صفة ذات أم أفعال، ومهما ناشدتهم بأن دعاء الله بأسمائه أو صفاته هو خير ولا داعي لتخويف الناس من دعاء الله تعالى، أجابوك مجادلين ملبسين الحقائق بتحليلات بعضهم البعض، ولا يُراد من هذا النقاش سوى تخويف الناس من دعاء الله تعالى.
ويهدف المرجفون من هذا الإغراق للأمة هو بث الرعب والوسواس في قلوب الناس فلا يتجرءوا أن يدعو الله خوفا من أن يخطئوا بحقه، فلا يتجرأ أحد على دعاء الله يا حبيبي يا الله يا عاطي يا مُعطي يا حنون يا حنّان يا منّان يا ذو الفضل يا ذا الستر إلى أخر هذه الأوصاف الفاضلة لله تعالى، وهذا هو الهدف الأعلى لإبليس –نصرنا الله عليه.
إن الذين لم يسعهم ما وسع الرسول صلوات الله عليه وما وسع الصحابة والتابعين رضي الله عنهم من دعاء الله تعالى بأسمائه أو صفاته التي وصف بها ذاته أو أفعاله أو وصفها به الرسول صلوات الله عليه بالحديث الصحيح، واتخذوا من تشكيك الناس بأسماء وصفات الله تعالى ديننا يتعبدون به، هؤلاء الذين أخذوا يشيعوا بين الناس نفي أسماء الله تعالى قد خرجوا من الدين وكفروا بالله تعالى.
• تقليل قدر الرسول صلوات الله وسلامه عليه ومساواته بأي رجل منهم، وأنكروا شفاعته وكرماته وأنه صاحب الوسيلة، وإذا سمعوا من يسأل الله تعالى بشفاعة الرسول صلوات الله عليه وصفوه بالكفر، واتهموه بتأليه عبد الله وحبيبه صلوات الله عليه، ويُجن جنونهم لو سمعوا مجلس للصلاة على الرسول صلوات الله عليه، وفي هذا الباب عدد ما شئت من هذا التعدي.
ويتقن هؤلاء المرجفين فن التلبيس على الناس بين دعاء الله تعالى بشفاعة سيدنا محمد صلوات الله عليه، وبين دعاء سيدنا محمد صلوات الله عليه، فكل المسلمين يقرون بأنه من ظن نفعا أو ضرا بغير الله تعالى فقد كفر بالله تعالى، ولكن سؤال ودعاء الله تعالى بشفاعة سيدنا محمد صلوات الله عليه هي من صلب الدين.
• إغراق الأمة في إعادة تخريج الحديث، وتصنيف الصحابة ورواة الحديث، واضعين ثوابت الدين موطن الشك، مزلزلين الثقة الموروثة للأمة بأسلافها، متعدين على أرث الأمة الإسلامية وخاصة كتب صحاح الحديث حتى أنهم أجروا الأبحاث وأخذوا درجة الدكتوراه بتضعيف بعض أحاديث البخاري ومسلم.
• مغالطة المذاهب الأربعة وإغراق الأمة في إعادة اختراع الفقه، وأهم ميزات هذا الفقه الجديد هو تأمين الشرعية لأسيادهم من أئمة الكفر، فضلا عن تحريم الذكر لله والجهاد في سبيل الله تعالى.
• منع ولجم كل من يتجرءا أن يتفوه بكلمة حق في وجه سلطان جائر، فضلا عن سكوتهم المُطلق عن تشريع سلاطينهم للربا وإعطاء البنوك الربوبية التراخيص، وإغراق الأمة الإسلامية بالربا، حتى أصبح من المُتعسر على عامة الناس أن يتصوروا بناء نظام مالي غير ربوي، وحرمان الشعوب الإسلامية من استثمار أموال الأمة في بلاد المسلمين، وجعلوا هذه الأموال في ديار الكفر تبني منشأتهم ومصانعهم وتعزز اقتصادهم، ليزداد الكفار قوة إلى قوة، ويزداد المسلمين ضعفا على ضعف حتى بلغ بنا الأمر أننا لا نملك مقومات البقاء من الحليب أو القمح فضلا عن الدواء أو السلاح، وبالمقابل غض المرجفين بصرهم التام عن محطات التلفاز الناشرة للفسق والفجور بتمويل السلاطين وحاشية السلاطين، ولم يتفوه أحدهم بكلمة حق واحدة لردع هذا الفساد المتفشي، ولو قام ألف واعظ بالوعظ والإرشاد والإصلاح فإن فيلم واحد من قنواتهم يفسد كل خير سابق.
• التوطيد لأئمة الكفر وأسيادهم من اليهود والنصارى، وإعطائهم الغطاء الشرعي لجرائمهم، حتى بلغ بأحد كبار المُرجفين أن أفتى بأن فلسطين دار كفر وأن على المسلمين تركها لليهود!
والأدهى أن هذا المرجف يُعتد به كأحد أهم مصدر من مصادر التشريع!
عصور وسنوات جاهد فيها المسلمين لتحرير أراضيهم من التتار ثم من الصليبين الذين احتلوا فلسطين أربعمائة عام، ولم يفكر واحد بهذه العقلية الإبليسية، وما فتئ العلماء يحرضون الناس على الجهاد وهذا المرجف احتار كيف يرضي إبليس ويسلم فلسطين لليهود.
وعلى خطوات هذا المرجف سار باقي المنحرفين في التوطيد للصلبان ولو كتبت بهذا دهر ما كفاني، ولكني أكتفي بقول الله تعالى: {لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرْكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ} آل عمران 28.
يتبع